مقدمة كتاب التوحيد
مقدمة كتاب التوحيد
استمع الدرس هنا
كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
شرح الامام عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
تلخيص وجمع وتدوين الفقير الى الله طارق عتمه
اذا عرف المسلم مكانة توحيد وعظيم قدره فان ثمه سؤالا لابد ان يكون حاضرا في ذهن المسلم الا وهو: ما واجبنا نحو التوحيد الذي خلقنا الله جل وعلا لاجله واوجدنا لتحقيقه؟ فهذا السؤال غايةٌ في الاهمية، والجواب على هذا السؤال: ان الواجب علينا نحو التوحيد ونحو كل امر امرنا الله تبارك وتعالى به امور سبعة:
الامر الاول : مَحَبَّتُهُ، فكل شيء امرك الله تبارك وتعالى به عليك ان تُحِبَّهُ، وان تعمر قلبك بمحبته، وان يكون محبوبا لك، وان لا يقع في قلبك شيء من البغض او الكراهية له، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.
الامر الثاني: ان تَتَعَلَّمَهُ، وان تحرص على معرفته وفهمه وحسن دراسته. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [سورة محمد، الآية 19]، وبوب الإمام البخاري في “صحيحه” (كتاب العلم): باب العلم قبل القول والعمل، ثم استشهد بهذه الآية، وقوله ﷺ “مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ” [رواه البخاري (71)، ومسلم (1037)]، وزاد في الطبراني : وإنما العلم بالتعلم. وقال ﷺ: “إنما الناسُ عالِمٌ ومتعلمٌ، وما سِواهما همجٌ لا خيرَ فيهم” [رواه الطبراني في المعجم الكبير (19/257)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/283)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2323)]. الهمج الرُّعَاع: وهم من لا علم عندهم ولا طلب له، يتبعون كل ناعق، كما وصفهم عليٌّ رضي الله عنه.
الامر الثالث: ان تعزم في قلبك عزما اكيدا على العمل به، تعقد في قلبك العزم على العمل بهذا المحبوب، والذي اعتنيت بتعلمه، فتَعْقِدَ في قلبك عزما على العمل به. وفي الحديث “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع… وعن علمه ماذا عمل به” [رواه الترمذي (2417) وصححه الألباني].
الامر الرابع: فبعد العزيمة، تَعْمَل، وتجاهد نفسك على العمل وان ياتي منك العمل تاما. “يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق -أي تخرج وتتدلّى من بطنه- أقتاب - أمعاؤه- بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه” [رواه البخاري (3267) ومسلم (2989)].
الامر الخامس: ان يقع العمل منك على المشروع، اي خالصا لله، صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الامر السادس: تحذر من مُبْطِلاتِ العَمَل، فان تَحْذَرَ اشد الحذر من الامور التي تُحبِطُ العمل وتبطله، فتكون دائما في حيطة وفي حذر من كل ناقض او مبطل او مفسد لعملك وطاعتك.
الامر السابع: ان تثبت على هذا الامر الى ان تلقى الله جل وعلا، وتساله سبحانه وتعالى ان يُثَبِّتَكَ عليه الى ان تلقاه؛ فهذه امور سبعه تَجِبُ علينا نحو التوحيد ونحو كل شيء امرنا الله تبارك وتعالى به.
فيكره ما انزل الله : اذا نظرت الى واقع الناس وحالهم مع ما امرهم الله تبارك وتعالى به لا ترى في كثير منهم وفاء ولا تحقيقا لهذه المراتب السبعة العظيمة، ومن حقق بعضها او شيئا منها فَرَّطَ في باقيها، فقد تجد في الناس من يقع في قلبه شيء من البُغْضِ لبعض اوامر الله، او كراهية لبعضها، ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [سورة محمد، الآية 9]، فيقع في قلبه كراهية وبُغْضٌ، واذا وجدت هذه الكراهية فلم يوجد ما بعدها من تعلم وعزم وعمل .. الى اخره.
ولا يتعلم : وبعضهم يُحِبُّ الامر الذي امره الله به، ولكنه لا يَحْرِص على تعلمه، ويتشاغل، وتمضي به الايام والاوقات وهو في تشاغلِهِ الى ان يموت، وهو متشاغلٌ عن تعلم ما خلق له واوجد لتحقيقه.
ولا يعقد العزم على العمل : ومن الناس من يُحِبُّ الامر، وايضا يعرفُهُ، فيحصل له نوع تعلم له فيعرفه، ويعرف حسنه وفضله وبهاءه، لكنه لا يَعْقِد العزم على العمل به، وذلك خوفا منه على تغير دنياه، كأن يكون نشا مثلا على تعلق بغير الله من قِبَابٍ، او احجار، او نحو ذلك، فيسمع بالتوحيد ويُبَيَّن له ويَعْرف صحته، لكن يقع في قلبه خوف من تغير دنياه، وتغير حاله.
ولا يعمل : وبعضُهُم اذا عَزَمَ احب وعلم وعزم، لا يَعْمل؛ لانه يخشى ان عَمِل ورأى الناس عمله ذهب منه ماله او ذهب جاهه، او ذهبت مكانته، او ذهبت رئاسته، الى غير ذلك، فعرف الحق، وعرف الهدى، وعرف الصواب، ولكنه لا يعمل ويترك العمل خوف ضياع مال، او جاه، او رئاسة، او مكانة، او غير ذلك، وهذا يقع كثير، حتى ان بعض من يُدعى الى الاسلام يتساءل فيقول: اذا اسلمت كيف اصنع مع الاهل والاقارب والجيران؟ وبعضهم فعلا يمتنع مع انه راى ان انه الحق، انه دين صحيح ومسلك قويم، لكنه يمتنع عن العمل مع انه احبه وعرفه ووُجِدَ في قلبه عزم على العمل به.
ولا يعمل عملا مشروعا : ومن الناس من من تقع منه او من تحصل منه هذه الامور الاربعة، المحبة، والتعلم، والعزم، والعمل، لكنه لا يُحقق العمل على المشروع، فيكون عنده نوع تهاون في تحقيق العمل على المشروع، والعمل المشروع هو الخالص، الصواب، ما كان خالصا لله، صوابا على سنة رسول الله ﷺ (الاخلاص والمتابعة).
ولا يتحاشى مبطلات العمل : ومن الناس من تقع منه هذه، لكنه لا يتحاشى من المُحبط والمبطل للعمل وربما ياتي عليه ما يَنْقُضُ عَمَلَه، ويفسد ديانته لا يتحاشى من ذلك، والله جل وعلا يقول : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الزمر، الآيتان 65–66].
ومنهم من ينتكس : ثم في تمام ذلك امر الثبات وشان الثبات وتهاون كثير من الناس به، وقد جاء في المُسْنَد وغيره، ان ام سلمة رضي الله عنها قالت: أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُكْثِرُ في دُعائِهِ أنْ يقولَ: يا مُقَلِّبَ القلوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي علَى دِينِكَ. قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، وإنَّ القلوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ قالَ: نَعَمْ، ما مِن خَلْقِ اللهِ مِن بَنِي آدَمَ مِن بَشَرٍ إلَّا وقلبُهُ بيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ اللهِ، فإنْ شاءَ أقامَهُ، وإنْ شاءَ أزاغَهُ. [ورواه الإمام أحمد في المسند (حديث رقم 26545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (رقم 2140)]، والله تعالى يقول: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [سورة إبراهيم، الآية 27]، فهذه امور سبعة تجب علينا نحو التوحيد، ونحو كل امر امرنا الله سبحانه وتعالى به.
ففي تعلمنا للتوحيد الذي هو اعظم العلوم واجلُّهَا نحتاج الى تَعَلُّمِ امور عديدة تتعلق به، مثل : معرفة فضله، ومكانته، وما يترتب على العمل به وتحقيقه من الاجور الجزيلة والافضال العميمة في الدنيا والاخرة، ومعرفة حقيقة التوحيد، ومعنى التوحيد، وانواعه، وإفراد العبادة التي حقٌّ خَالص لله جل وعلا فلا يجوز صرفها لغيره سبحانه، ومعرفة نواقض التوحيد ونواقصه، حتى يَحذر الانسان منها ومن الوقوع فيها، فكل ذلك من من الامور التي ينبغي ويجب على كل مسلم ومسلمه ان يتعلمها وبين يدينا هذا الكتاب المبارك كتاب التوحيد وسنقرأ في ابوابه تفاصيل نافعة، وتحقيقات وافية، وتقريرات جيدة، واستدلالات وافية تتعلق بهذا المطلب العظيم والمقصد الجليل.
الدرس التالي، ثالثا: تفاوت منازل الأرواح في دار القرار